الناقد المغربي مراد الفكيكي : بابيشا تكريم جميل لجميع النساء المناضلات من أجل الحرية – مجلة زهرة
مساحة اعلانية

الناقد المغربي مراد الفكيكي : بابيشا تكريم جميل لجميع النساء المناضلات من أجل الحرية

كتبه كتب في 10 مارس 2022 - 5:17 م
مساحة اعلانية
مونية مدور تفوز بجائزة (Cesar) عن فيلم بابيشة"

زهرة – مراد الفكيكي – وجدة 

تعود بنا المخرجة “مونية مدّور” إلى بداية العشرية السوداء التي كانت الجزائر مسرحا لها  ، لتتحفنا بأول فيلم جزائري من إخراج امرأة للدّفاع عن قضايا المرأة ، لتحكي لنا قصة الشّابة الجميلة ” نجمة ” التي تقطن في الحي الجامعي (عالم شبه سجني استبدادي) ، تحلم أن تصبح مصممة أزياء كبيرة بمساعدة صديقاتها اللواتي يشاطرنها نفس الحلم و يجسدن فكرة الحداثة في مجتمع منغلق على نفسه .

قبل الخوض في الفيلم،  لابد من تقديم للمخرجة التي ولدت في العاصمة الروسية موسكو سنة 1978 من أب جزائري المخرج “عز الدين مدّور” وأم روسية ، تلقت التكوين السمعي البصري في فرنسا و بدأت مشوارها الفني سنة 2007 بالأفلام الوثائقية لتصور أول فيلم قصير لها سنة 2011 بعنوان ” إدوينغ “، في سنة 2019 ستقتحم الفيلم الطويل من بابه الواسع لتتحفنا ب” بابيشا ” الذي سيحصل على جائزة السيناريو في مهرجان الفيلم الفرنكفوني بأنغوليم (فرنسا) و ” سيزار ” أحسن أول فيلم في السنة ذاتها،  رشح كذلك لجوائز ” نظرة ما ” في مهرجان كان.

 

 

في خضم هذا الزخم من التتويجات ،  لم تستطع المخرجة عرض فيلمها بالجزائر في تاريخ 17.09.2019 نظرا لإلغاء العرض الأول من طرف السلطات دون سبب مقنع.

نعود إلى حكاية نجمة التي تنتظر الليل يرخي بظلاله لتتسلل رفقة صديقتها عبر الأسلاك التي تفصل الحي الجامعي بالعالم الخارجي ، لتعانق عالم الليل و تبيع ملابس صممتها بنفسها لصديقاتها ،  يبدأ الفيلم بمشهد مليء بالطاقة ، لقطة مكبّرة على وجه أنوثة مفعمة بالنشاط سرعان ما ستكبحها نقطة تفتيش ،  تغطى الرؤوس سريعا بالمناديل و تمحى الضحكات ،  ليحتل الرعب المكان و المعاش اليومي للمواطن الجزائري.

” العشرية السوداء” هنا نراها بأعين نجمة  جسدتها الرائعة “ليندا خدوري” ذات 18 ربيعا بإتقان و حرفية ،  هذه الشابة تشهد مجتمعها وقد أصابته عدوى التطرف و الارهاب ،  بل و تحضر مقتل أختها الصّحفية على قارعة الطريق ،  إنها بداية الحرب الأهلية.

مونية لم تحكي قصّتها الشّخصية في “بابيشا” (التي تعني الفتاة الجميلة في اللّهجة العاصمية) ، و لكنها استعملت أداة الوثائقي المتمكنة منه مع إضافة لمستها الفنية لإعادة حكي ظروف خاصة عايشتها خلال تلك الفترة.

في إطار هذه الأوضاع ،  نتابع المعاش اليومي لبابيشا ،  رسومات تتفتّق من مخيلتها المبدعة و فكرة إقامة معرض للأزياء في ظل ظروف أصبحت تتأزّم شيئا فشيئا.

أن ترى الجزائريات حرّات في لباسهن هو الخيط الرفيع الذي تتشبث به نجمة لتحقيق هدفها ،  ضدّا على “الطاغوت” الذي يهدف الى توحيد لباس النساء و جعلهن غربانا في غابة يسيطر عليها بلغة القتل بالقنابل.

لعبت المخرجة بين حدثين متناقضين يتواجهان بالتوازي ،  ففي خضم المنشورات التي تحثّ النساء على “الستر” تتوالى في فوضى عبثية تدعو صور نجمة الى الحداثة و حرية اللباس عند النساء ،  حينما تحتل القنابل مكان المنشورات ،  تعوض الخياطة تلك الرسومات بأثواب تمشق أجساد البابيشات ،  قلم مقابل بندقية ، عرض أزياء مقابل ظلم الطّغاة ،  مساران يتخالطان ،  يتغذيان و يتصارعان معا.

في الفيلم نعيش انفجارا للأحاسيس الحيّة حيث كل كلمة تأخذ بعدا عالميا ،  لهذا يأخذ الصّوت حيّزا كبيرا في عمل مونية ،  فقد حرصت على موازنة الحوار مع لحظات الصّمت،  “الزّفرات” و “الوقفات” جزء من مجموعة مسموعة،  الصّمت الفنّي يمجّد اللحظة و العمل ككل،  مثلا في اللقطة التي تظهر فيها نجمة بمقدمة الحقل البصري ،  نرى أمّها و أختها في الخلفية،  من خلال صمت عميق ،  أرسلت لنا المخرجة مشاعر قوية جعلتنا نندمج في المشهد ،  لتصدمنا نفسيا بعد ذلك ب “صرخة” بقيت راسخة في الذاكرة.

إلى جانب شخصيات النسوة ،  نجحت مونية في رسم شخصيات متعددة لكل صوته،  مميزاته و تموضعه داخل ساحة المعركة،  سائق التاكسي الحنون،  صاحب الدكان البشوش،  المديرة الصارمة…مختار حارس الحي الجامعي الذي كشّر عن كبته تجاه البابيشا ، الفتاة الجميلة التي لا يجب إلا أن تخدم نزوات الرجل حينما يكون التحرش نمط عيش يلاحق المرأة أين ما حلّت وارتحلت.

الفيلم صرخة هوجاء ، قصة تحاصر عقيدة التطرف و تمرر لنا رسالة عن قوة النساء الجزائريات و عدم استسلامهن أمام التطرف، بابيشا تكريم جميل لجميع النساء اللواتي ناضلن و ما زلن من أجل الحرية.

مراد الفكيكي – ناقد سينمائي 

تعليقات الزوار ( 0 )

اترك تعليقاً