المسحراتي مهنة يشع نورها في رمضان وينطفئ وميضها نهايته – مجلة زهرة
مساحة اعلانية

المسحراتي مهنة يشع نورها في رمضان وينطفئ وميضها نهايته

كتبه كتب في 3 أبريل 2022 - 3:39 م
عبق التراث مشاركة
مساحة اعلانية

صونية السعيدي

المسحراتي شخصية من الموروث الثقافي الإسلامي، اقترن اسمها بشهر رمضان الأبرك ، بزغت معالمها مع أول مؤذن في فجر الإسلام “بلال بن رباح” رضي الله عنه صحبة ابن أم مكتوم.

يقول الدكتورعبد الباقي السيد، أستاذ التاريخ والحضارة الإسلامية كلية التربية بجامعة عين شمس ” : كان المسلمون يدركون وقت السحور في عهد الرسول عليه الصلاة والسلام، بآذان بلال بن رباح، ويمتنعون عن الطعام بأذان عبد الله ابن أم مكتوم” .

عن ابن عمر وعائشة رضي الله عنهما قالا : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم “أن بلالا يؤذن بليل، فكلوا واشربوا حتى ينادي ابن ام مكتوم” وعرف انذاك بالفجر الكاذب والفجر الصادق /

وإبان العصر العباسي تولى والي مصر عتبة بن اسحاق عام 832 هجرية ، مهمة الطواف على الديار مشيا على الأقدام من مدينة المعسكر بالفسطاس إلى جامع عمر بن العاص مرددا ” ياعباد الله تسحروا فان في السحور بركة” .

وفي العهد الفاطمي، أمر الحاكم الناس بأن يناموا مبكرين بعد صلاة التراويح وأوكل مهمة إيقاظ الناس لتناول السحور إلى الجنود فكانوا يمرون على المنازل ويدقّون أبوابها وبعد مضي زمن تم تعيين شخصية انيطت لها مهام ايقاظ الناس لقبت ب “المسحراتي ” فكان ينادي قائلا :” يا أهل الله قوموا تسحروا”.

ويعد العصر العباسي العصر الذهبي للمسحراتي، حيث ازدهرت فيه المهنة التي تشع في شهر رمضان وينطفئ وميضها مع نهايته ، استبدلت فيها العصا بالطبلة كانت تعرف ب “بازة” تميزت بصغر حجمها فعلى ايقاعاتها كان ينادى للسحور، لتتحول بعد ذلك إلى طبل كبير تسمع ايقاعاته من بعيد.

ومع اتساع رقعة الاسلام،  تعددت أوجه المسحراتي، ففي المغرب لقب بالنفار نسبة إلى الآلة النحاسية على شكل مزمار طويل ينفخ فيها فتتحول إلى ايقاعات لايقاظ أهل المغرب للسحور.

أما في الإمارات العربية فيعرف ب ” أبوطبيلة ” نسبة إلى الطبل وينعت في لبنان ب” الطبال، أما بمكة المكرمة فهو” المسحر” وباليمن” المفلح”.

المسحراتي بزيه التقليدي وصوته الشجي ، يجوب الأزقة في جنح الظلام يقرع الطبل صادحا “يانايم قم وحد الدايم” قبيل ساعتين من آذان الفجر معلنا عن وقت السحور، فلرمضان صبغته الخاصة وطقوسه المميزة ، فالمسحراتي له شعبية خاصة في رمضان يرسم البهجة ويغرس الفرحة في نفوس الصغار قبل الكبار.

يشترط في المسحراتي أن يحظى بسمعة طيبة وبصوت شجي وأن يحفظ بعض الأشعار والأناشيد الدينية ليرددها على مسامع الساكنة، وأن يكون ذو دراية بالحي وأ صحابه،  فمنذ زمن بعيد كان المسحراتي يستعمل عصاه ويطرق الأبواب وينادي صاحب البيت للسحور إلى أن حل الطبل فلم يعد يطرق الأبواب بل يكتفي بكلماته الرنانة الداعية للسحور.

كانت للمسحراتي ثلاثة جولات الأولى بشكل يومي للإعلان عن السحور، الثانية كانت بتناوب مع بعص الأحياء يجوب فيها الأزقة لجمع الأكل وتوزيعه على اليتامى والمعوزين والثالثة كانت ليلة العيد ،  حيث يغدق عليه أهل الحي بالهدايا والحلوى ، لتتحول مع مرور الزمن إلى عيدية وإكرامية . 

وفي ظل الطفرة التكنولوجيا أضحت مهنة المسحارتي تعاني العديد من الإكراهات ،فقد حلت محلها  تطبيقات  إلكترونية كالآذان الرقمي، المفكرة الذكية لشهر رمضان التي تحدد بدقة وقت الإفطار ووقت الإمساك ،فضلا عن منبهات الجوال.

فباتت شخصية المسحراتي تقتصرعلى الأحياء القديمة والأرياف ، فحظيت مهنة الأجداد بجحود الأحفاد ، لا يزاولها إلا القلة  حبا في الزمن الجميل  وشذو الكلمات .

“اصحا يا نايم وحد الدايم.. وقول نويت بكرة إن حييت.. الشهر صايم والفجر قايم.. ورمضان كريم”.

تعليقات الزوار ( 0 )

اترك تعليقاً