الأمثلة الشعبية المغربية : دلالات ونماذج – مجلة زهرة
مساحة اعلانية

الأمثلة الشعبية المغربية : دلالات ونماذج

كتبه كتب في 18 أبريل 2022 - 3:32 ص
عبق التراث مشاركة
مساحة اعلانية

 ذ . عبد القادر رجاء

 منذ البدء والكائن البشري في حاجة إلى استهلاك أشكال متعددة من الأنماط الأدبية  التي تضم تحت عباءتها صفة الحكاية والتي صاحبت الوجود البشري، فالنص الحكائي رأى الوجود مع بداية التواجد البشري على الأرض  كما يشير إلى ذلك  الناقد الأدبي الفرنسي  ورائد المدرسة البنيوية رولان بارت  في ٳحدى كتاباته. كما أن هذا  المنتوج الإنساني و  الشعبي  يعد بصدق موروثا مجتمعيا يصاحب صيرورة المجتمع ويسعى الى خلق نوع من الوعي الجمعي لدى أفراده  على مر العصور وتعاقب الأزمنة التاريخية.

  ويعتبر موضوع الأمثال الشعبية من المواضيع الذي استٲتر بها  علم الاجتماع والمهتمين بالثقافة الشعبية؛ فالمثل الشعبي يعكس ثقافة المجتمع، كما يمكن من التعرف على نمط تفكير أفراده ونظرتهم لواقعهم وللكون. إن المثل الشعبي لا يتعدى أن يكون بكل بساطة مجرد مقولة غالبا ما تتداول بالدارجة ولعل هذا البعد كان الهدف منه جعل المثل الشعبي ملكا لكل أفراد المجتمع سواء الأمي منهم  أو المثقف وبهذا ف :  “ لا تصور لتطور الفكر والأدب بدون ثقافة شعبية تراثية من أسلافنا الميامين ومن أجيالهم التي تعاقبت على مسرح الحياة عبر التاريخ* ”.  وبهذا يتضح جليا أن الموروث الشعبي مسألة أو بالأحرى ضرورة حضارية ورسالة لها ثلة من الأبعاد التكوينية التربوية فهي: “ ليست للتسلية فحسب بل تتخذ منها الأجيال القادمة العبر والنصائح التي لاغنى عنها.* ”.

ولعل ما يؤكد رؤية الأستاذ إدريس دادون لميتافيزيقية المثل الشعبي هي تلك المقولة التي لايبرح المغاربة في ترديدها “ما خلاو الاولين للتالين ما يڭولو”؛ فأسلافنا تركوا لنا إرثا حضاريا و شعبيا له من القيمة ما يسمح له بالتأثير في سلوكات الفرد.

  في ذات السياق فالمثل الشعبي ملك اجتماعي لمن تنقصهم التجربة والخبرة في الحياة علاوة على كونه سبيلا للمعرفة والتربية نظرا لقدرته على التأثير بشكل فعال وإيجابي في نفس الوقت في سلوكيات الفرد كما يهدف كذلك إلى تاطيره التاطير القويم.

  وحتى لا تكون هذه المساهمة نظرية في مجملها٬ سنحاول فيما يلي إثارة بعض الأمثلة الشعبية  التي ترد على مسامعنا من حين لآخر مع إردافها  بتحليل بسيط يلامس أصل المثل وما يحيل عليه.

1 . “ ملِي  تجِي  تجِي  غِ بِصنارة, وملِي تمشي تقطع السلاسل ” :

فيما يتعلق بالحكاية التي انبتق عنها هذا المثل الشعبي، فقد وردت على مسامعنا كما يلي :

يحكى أن رب أسرة اشتد به الفقر والحاجة الشيء الذي أدى به إلى اللجوء إلى عالم البحر الذي لايفهم في أبجدياته  إلا القليل وذلك قصد سد رمق أسرته عن طريق اصطياد بعض الأسماك. لم يكن رب الأسرة يتوفر من العتاد  ما يسمح له بتحقيق أمنيته؛ فلم يكن يتوفر الا على بعض أمتار خيط البحر وصنارة بسيطة٬عندما رمى الصنارة أحس بشيء ثقيل فلما أخرجه بعد مشقة، تحقق من أنه اصطاد صيدا ثمينا؛ فلم يصطد أسماكا ولكنه اصطاد صندوقا مملوءا عن آخره بالجواهر. مندهشا لما رأى، قرر رب الأسرة أخد جزء من الكنز وترك الباقي في قاع  البحر بعد أن ربطه بسلسلة غليظة.

 مرت الأيام ونفد مخزون السيد من المال فأصبح في حاجة إلى كنزه المدفون تحت الأمواج،  لكن  دهشته  كانت عظيمة وهو يجر السلسلة المربوطة بالكنز خاوية الوفاض. ندم كثيرا وقال قولته : “ملِي  تجِي  تجِي  غِ بِصنارة وملِي تمشي تقطع السلاسل”  التي صارت في ما بعد مثلا شعبيا.      

ويستعمل المثل كناية على كون أن أرزاق بني البشر مقدرة له من طرف الخالق  او كما تقول المقولة : “ لِي مكتاب ليكْ هو لِي يْجيكْ”.

2   . “ محاسْ باِلمزْود غٍيرْ لِي مضْروبْ بِيهْ ” :

للإشارة فِالمزْود عبارة عن قطعة من جلد الحيوانات (الماعز- الابقار- الاغنام) كان يلف وتوضع بداخلها أشياء بسيطة مثل الاوراق الادارية او أشياء خفيفة جدا.

أما فيما يتعلق بالحكاية فتحكى على الشكل التالي :

يحكى أن رجلا كان يضرب امراته بِالمزْودْ وهي تصيح صياحا شديدا إلى درجة أن سمعها الجيران. عند قدومهم رأوا ان الرجل يضرب امراته فضحكو ا  وقالوا:

– “ واشْ المزْود كيْقسحْ”. لأنهم يعرفون بأن المزْود لا يحتوي إلا على  أشياء خفيفة جدا

فاجابت باكية :

-“ محاسْ باِلمزْود غٍيرْ لِي مضْروبْ بِيهْ”. فقط لأن المزود كان بداخله حجر التيمم.

ما يميز المثل الشعبي هو قدرته على التكيف والتعبير على مجموعة  من الوضعيات.  فمحاولة مشاركة شخص ما وجدانيا وفاة أحد أقرباءه تظل دائما محاولة  لأنه : “ محاسْ باِلمزْود غٍيرْ لِي مضْروبْ بِيهْ”.

3. “ ما قدهم فيل زادوه فيلة ”:

تقول الحكاية أن حاكم قبيلة أهدي له فيل فاقترح على القبيلة التي يحكمها  أن تتكلف بالفيل، ونظرا لعدم قدرتهم على الرفض فقد احتفظوا بالفيل. عاش هذا الأخير في ظروف جيدة وسط حقول أبناء القبيلة إلا أنه بدأ يعبث بالمزروعات على طريقته حتى أصاب الوجوم القبيلة مما جعلهم يقررون زيارة الحاكم  جماعة من أجل إعادة النظر في هذا القرار الذي كلفهم الكثير.

قبل دخولهم عند الحاكم، عينوا الفرد الذي سيحدث الحاكم بشأن الفيل و عند استقبالهم من طرف الحاكم بادرهم هذا الأخير قائلا :

–    “ ما الأمر ؟ ”.

أجاب ممثل القبيلة :

–   “ الفيل  سيدي الحاكم ”.

– “ مابه الفيل ؟ ”. يضيف الحاكم.

يكرر الاتنان نفس الحوار:

 – “ مابه الفيل ؟ ”.

 – “ الفيل…”.

فصاح الحاكم بغضب في وجه مخاطبه:

– “ ما مشكل الفيل ؟ ”.

يجيب ممثل المجموعة مرتعدا :

–   “ الفيل خاصو فيلة ”.

و هكذا دفعت القبيلة ثمن سذاجة و خجل ممثلهم و أضافت إلى فيلها فيلة فقيل فيهم :

–    “ ما قدهم فيل زادوه فيلة ” .

4.  “  صياد النعامة يلقاها يلقاها:

يتداول هذا المثل الشعبي كدلالة على أن الباحث عن شيء ما لابد أن يجده؛ فكما أن صياد النعامة يجد نعامته فالكاد لابد له أن يصل إلى هدفه ومبتغاه. ولعل هذا ما يفيده التعبير الآتي  “من جد وجد ومن زرع حصد” أوالتعبير الفرنسي التالي.(Qui cherche trouve)  

و يحيل المثل كذلك على أن صيادا أراد القبض على النعامة فلبس فروتها لكي لا تكتشف النعامة نيته المبيتة؛ فرآه صياد معتقدا  أنها نعامة  فأرداه قتيلا لضعف حيلته و قلة تبصره و بهذا فأحيانا الطرق التي نتبعها للإطاحة بالآخرين قد تعود علينا بالخسارة و قد تنقلب أفكارنا علينا فنؤدي ثمنها غاليا و لعل هذا نفس ما قد يذهب إليه تحليل المثل الشعبي“ لي حفر شي حفرة يطيح فيها ”.

5.“ لِي حرتُو الجمل يدّكُو ”:

يحيل هذا المثل على فكرة تتمة عمل ما تم تدمير ما تم القيام به و بالتالي إعادة العملية من الصفر؛ فوقوع خطأ معين حين الإنتهاء من عمل يجعل النهاية بداية والبداية نهاية وهكذا ف : “لِي حرتُو الجمل يدّكُو”.

6. “ ديب غي ديب و خا تعطيه الحليب  :

يقال أن امرأة عثرت على ذئب صغير فرق قلبها له مما دفعها إلى تربيته مع المواشي التي تملكها، لكن الذئب الماكر عندما كبر و اشتد عوده التهم كل ماشية المرأة.

الحمولة الدلالية للمثل تكمن في كون الماكر يبقى ماكرا حتى وإن ربيته في كنفك وعاملته أحسن معاملة، هذه الفكرة تتناسب و ما تنطوي عليه كلمات عبد الرحمان المجدوب الأتية:

“ ولد الناس لا تربيه  يكبر و يرجع لناسو

   حيط الرمل لا تعليه  يطيح و يرجع لساسو

 إن المثل الشعبي يبقى طريقة من طرق التعبير الشعبي، فهو منتوج مجتمعي حامل لغير قليل من الدلالات وتبقى محاولة تقزيم دلالاته وأبعاده ومعانيه نوعا من التقصير في حق الثقافة الشعبية المغربية، وبهذا  كان لزاما على المهتمين التحسيس بقيمة المثل الشعبي والدعوة إلى التفكرفي معانيه وحمولته السوسيوثقافية.

تعليقات الزوار ( 0 )

اترك تعليقاً