فن التبوريدة….لوحات استعراضية تحاكي أمجاد الأجداد – مجلة زهرة
مساحة اعلانية

فن التبوريدة….لوحات استعراضية تحاكي أمجاد الأجداد

كتبه كتب في 8 فبراير 2022 - 5:57 م
عبق التراث مشاركة
مساحة اعلانية

صونية السعيدي

التبوريدة موروث ثقافي لامادي ضارب في جدور التاريخ ، يستمد رمزيته من المعارك الباسلة في الدود عن حوزة الوطن،  بزغ مع مطلع القرن الخامس عشر ، ليغدو فلكلورا ينهل من الذاكرة الشعبية، وطقسا احتفاليا فرجويا تتماهى فيها الخيالة بالخيل لتتناغم فيه الأهازيج والرقصات وتعلوه الطلقات النارية .

يقول الكاتب المغربي علال ركوك “شكلت الفروسية تراثا تاريخيا، سواء كان في الحرب أو السلم، إذ تعد الفرس مظهرا من مظاهر الافتخار، والفارس المحترف بصبح محط اهتمام لدرجة نجعل منه قدوة باعتباره صاحب شجاعة وإقدام”.

فالفانتازيا أو التبوريدة، هي محاكاة و تجسيد لهجمات عسكرية شنتها قبائل عرب وأمازيغ ضد الأعداء، ترسم ملاحم البطولة والسؤدد، فضلا عن العلاقة المتأصلة عبر الزمن بين الفرس والإنسان سواء في المعارك  أو رحى الحروب ، أو من خلال رحلات القنص والصيد  أو التنقل والسفر لمسافات طوال أو كرمز للترف وعلو الشأن في القبيلة.

يقول الباحث الاجتماعي علي العرفاوي” ترسم فنون الفروسية المغربية التقليدية المواقف البطولية التي وفقها الابطال، والتي يشيرون اليها في اغانيهم ومواويلهم وصيحاتهم التي تمجد البندقية والبارود”.

يعد الحصان البربري أحد أقدم سلالات الخيول في العالم، حسب الدراسات التاريخية والاركيولوجية  ، يعود تاريخه إلى 3 ألف عام في شمال افريقيا، ارتبط اسمه في المغرب بفن التبوريدة  أو الفروسية التقليدية ، لما يحظى به من مميزات عن باقي الخيول، تكمن في القوة والمرونة  ومدى قدرته على التحمل وقطع مسافات طويلة فضلا عن بنيته البدنية القوية  .

تتكون “التبوريدة” من سرب من الخيالة تضم 11 عشرة إلى 15 فارسا يترأسهم المقدم أو الرايس، يلبس فرسانها زيا تقليديا أصيلا ، جلباب أبيض شفاف و فرجية أو ما يعرف بالعامية “بالتشامير” يرافقه سلهام “برنوس” وعمامة بيضاء على الرأس وحزام سميك وغمد مزين بداخله خنجر وجراب جلدي يتوسطه مصحف ، ونعل من جلد يسمى” التماك” ، تربط من جهة القدم  مهاميز لنقر الخيل في حالة تقاعسها ، وتتعدى مظاهر زينة الفارس ، لتضفي بهاء على الفرس من خلال السرج الذي يتكون من اللبد وهو نسيج صوفي ناعم يوضع على صهوة الفرس ، إلى جانب الطرشاح المكون من ست سجاجيد من الملف وظيفتها حماية صهوة الفرس من الاحتكاك بالربوس.

أما عتاد الفارس فيضم بندقية، تسمى في المغرب بالمكحلة تتميز ببديع زخرفتها وطيف ألوانها وتطعيماتها الخارجية سواء من العاج أو المعدن فضلا عن السيوف والخناجر.

يترأس المقدم الخيالة، الذي  ينسق بين حركات الفرسان والفرس، يصطفون في خط واحد مع احترام الأقدمية للخيالة ، ينتظرون اشارة المقدم للانطلاق ، مرددين عبارات تحيل إلى المعارك.

يقام السباق في مضمار يدعى “المحرك” وهو الميدان الذي يحتضن التبوريدة، يتراوح طوله بين 115 و200 متر وتتألف مشاهد التبوريدة من :

  • الهدة وهي التحية التي يلقيها الفرسان رفقة جوادهم على الجمهور مرفوقة بحركة استعراضية للبنادق.
  • الطلقة أو الخرجة هي الإشارة التي تعطى للخيالة للإعلان عن الانطلاق  يردد فيها الرايس” الحافظ الله” يقف الفرسان على الخيول ويشرعون في ترقيص الفرس وبعد برهة يصيح العلام ” آو الخيل” تركض الخيل بأقصى سرعتها مع الحفاض على مسافة الأمان ترافقها حركات استعراضية للبندقية يمينا وشمالا منتظرين إشارة العلام لإطلاق البارود على مقربة من نقطة الوصول حيث يتعالى فيها ذوي البرود في حركة منسجمة للسرب.

يحتاج الخيل إلى تدريب طويل لاستعراض مهاراته في الركض والرقص ، إذ يشترط فيه أن يكون حرا عزيز النفس، وصغير السن ولم يسبق له قط أن حمل السرج حتى يسهل ترويضه ، فضلاعن الطول حيث يتم قياس المسافة الفاصلة بين ركبتيه وملتقى الحافر والساق واذا تجاوزت الأربعين سنتميترا يقع عليه الاختيار.

ومن حيث الهيئة،  يشترط أن يكون واسع الصدر، عريض الركبتين ، ومن حيث اللون يفضل الفرس الأشقر الأدهم، أو الأسود الداكن.

تتعدد المناسبات التي تستعرض فيها فنون التبوريدة ، من مواسم  ووعدة  وحفلات وأعراس وختان، علاوة على مهرجانات تحتفي بهذا الفن المتجذر في عبق التراث.

لم يعد هذا الفن حكرا على الرجال في التظاهرات والمهرجانات، بل ظهرت فرق نسائية تضاهي مهارة الرجال،  كانت اولاها في منطقة الجديدة عام  2003″الجمعية الاسماعيلية لخيالة أولاد عمران”.

وقد تم إدراج فن “التبوريدة” في قائمة اليونسكو للتراث الثقافي الغيرمادي في 2021 .

وذكر الوفد المغربي الدائم لدى اليونسكو عقب ذلك  في تغريدة له: ” إنه اعتراف بتراث حضاري عربي ، أمازيغي بربري فريد من نوعه في العالم”.

تعليقات الزوار ( 0 )

اترك تعليقاً