الطفل في السينما العربية: بياض ممتد على الهامش – مجلة زهرة
مساحة اعلانية

الطفل في السينما العربية: بياض ممتد على الهامش

كتبه كتب في 14 أبريل 2022 - 7:07 م
مساحة اعلانية

أذ .عبد الكريم قادري

مما لا شكّ فيه، أن “الطفل” مُغيّب بالمنظومة الإبداعية والفنية في العالم العربي، ويُنظر إليه كسقط متاع في كل تخطيط استراتيجي يُستشرفُ منه المستقبل، لهذا تعاقبت الأجيال وتعدّت مراحل طفولتها، ولا شيء مهم يُرضيها في ماضيها المُعاش، لهذا باتت نفسيّة العربي على العموم، هشة، وغير مؤثثة بأحداث الطفولة، التي كان من المفترض أن تتم مُّرافقتها برواية أو قصة، تعكس نفسيته وتُساندها، وتفتح الباب أمام خياله ليرسم شخوصها، وفضاءات الحدث، أو يُشاهد فيلماً يتدرّب به على الحب والمغامرة، على اللعب والمرح، على الكفاح والاجتهاد، لكن هذا ما لم يحدث إلا نادراً، لهذا نجد شريحة واسعة من الشباب العربي اليوم، يحتكمون دائماً للعاطفة، ويُغلّبونها على العقل، ويُريدون بشكل أو بآخر عيش طفولتهم بأثر رجعي، لأنهم عاشوا طفولة ناقصة، بدون منتجات أدبية وفنية تحاكي سنّهم وأحلام الطفولة فيهم، وعندما كبروا، وجدوا أن المُنتج الفني الوحيد الذي شاهدوه هو الفيلم الهندي “جانيتو” مثلا، أو المسلسل المكسيكي “كاسندرا”، أو قصص “كليلة ودمنه”، و”حي بن اليقضان”،  عرفوا عن طريق بعضها عاطفة الحب، وعلاقات العشق، وانتكاسات المحبين، وأحلامهم وكوابيسهم مبكراً، وكان من المفروض أن لا يُشاهدوا هذه المصنفات الفنية – أقصد “جانيتو”و”كاسندرا”- ، ليس لأنها مصنفات رديئة، بل لأنها لا تعكس مرحلتهم العمرية، وخصوصا أن تلك الفترة عرفت رواج المئات من الأفلام الهندية والمسلسلات المكسيكية، وبالتالي ستصيبهم مختلف العقد النفسية، وينحرفون في السلوك، بعد أن شربوا مبكراً من معين لم يكن من المفترض أن يشربوا منه، وتحولت النتيجة إلى أن أصبح الشباب العربي اليوم يُحكّمون العاطفة، أصحاب نفسيات متقلبة، يتأثرون، خصوصا بالخطابات العربية، التي تنتجها الأنظمة، وحتى تلك التي تنتجها الجماعات المتطرفة، أي أنه يكون لقمة سائغة لأي جهة، وحتى الآخر، يقلبه كيفما شاء، عن طريق الدعاية الإعلامية، عن طريق التلفزيون، مواقع التواصل الاجتماعي، والنت بكل صنوفه، والسينما، وغيرها من آليات الدعاية الهادفة، لأنهم وجدوا هذا الفراغ الرهيب فقاموا باستغلاله لصالح أهدافهم.

سينما الطفل: كتابة بحروف من ضوء

غيّبت السينما العربية على عمومها “الطفل” من إنتاجاتها المختلفة، وأنا هنا لا أتحدث عن الأفلام القليلة التي أنتجها كل بلد على حدة، لا تُشكل مدرسة أو نوعاً يمكننا عدّه ودراسته وفق آليات نقدية معيّنة، لأن إنتاج هذه الأفلام وعلى قلتها جاء وفقاً لظرف ما، وتحقيقاً لمآرب آنية، ولم يخضع لما يمكن اعتباره “سينما الطفل”، التي يتم من خلالها دراسة ومراعاة نفسية وسلوك الطفل، ومراحله العمرية، ومدى تأثير المضمون عليه، أي جملة آليات يتشارك في خلقها اختصاصيون، حتى لا يكون للفيلم تأثير عكسي، والجزائر ليست بمنأى عن هذه الفئة المذكورة، أي أن منتجاتها السينمائية وعلى قلتها، جاءت اعتباطية، لم تعكس أحلام الطفل وما يريده، وتواجد “الطفل” فيها كمحور أساسي – وهذه قليلة جداً-  أو على الهامش، ولتبرير “ثيمة” الفيلم التي لا تمت له بصلة، والإنتاجات التي عكست نفسيّة الطفل الجزائري ولامست جوهره، وأنتجت خصيصاً له، تكاد تُعد على أصابع اليد الواحدة، وكلها أفلام قديمة نسبياً، مع التجاهل التام لهذا النوع في السينما الحديثة، التي لا تعرف القيمة الحقيقية لـ”سينما الطفل” وما يمكن أن تعكسه على الثقافة الجزائرية مستقبلاً، أي أن أطفال اليوم هم شباب الغد، الذي يبني وفقا لما تحتويه ذاكرته وما تكتنزه، من جمال أو قبح، وواحد من الضدين فقط سيبقى، ومن خلاله تُبنى الشخصية وتؤثث.

إفرازات الثورة: مآسي الطفولة

“الثورة الجزائرية” إنعكست في معظم الإنتاجات السينمائية الجزائرية، وحتى في أغلبية الأفلام التي وُجّهت للطفل، ومن الصدف أن يكون أول فيلم روائي جزائري أنتج بعد الاستقلال هو عمل يمكن تصنيفه في خانة “سينما الطفولة” ويتعلق الأمر بـ”سلم وليد” 1964، للمخرج الفرنسي صديق الثورة “جاك شاربي”.

بعدها وفي سنة 1968، قدم مجموعة من المخرجين الشباب الذين عايشوا أجواء الثورة الجزائرية، فيلماً من إخراج جماعي، جاء تحت عنوان “الجحيم في سن العاشرة”، يتشكل من خمسة أجزاء، جاءت كالتالي: “البحر” لغوثي بن ددوش، “اللقاء” لسيد علي مازيف، “السمنة” لعبد الرحمان بوقرموح، “شهداء الأمس” لعمار السكري، والجزء الخامس “عندما كانت جانيت” ليوسف عقيقة.

وقد نقل كل جزء من الفيلم معاناة طفل جزائري، وما ترتب عن هذه المعاناة من مشاكل نفسية وسلوكية، جاءت كنتيجة لما يفعله المستعمر الفرنسي، من قتل وتعذيب وتشريد وتجويع، كل هذا أمام أعين الأطفال إن لم يكونوا جزءا من هذا.

وفي سنة 1980 يدخل المخرج ابراهيم تساكي الذي تخرج من المدرسة السينمائية البلجيكية والرائد في هذا الاختصاص، في تجربة إخراجية تندرج في سياق “سينما الأطفال”، من خلال فيلمه “أبناء الريح” المقسم هو الآخر إلى ثلاثة أجزاء:” الصندوق في الصحراء” 20 دقيقة، و”جمال في بلاد الصور” 25 دقيقة، وأخيراً “البيض المطبوخ” 25 دقيقة، قدم من خلال هذه الأجزاء مادة وأحداثاً تعكس طموح الطفل وأحلامه، وبعدها بثلاث سنوات قدم تجربة سينمائية أخرى، في نفس الاتجاه دائماً، وهذا من خلال فيلم ” قصة لقاء”، ليثبت ابراهيم تساكي أنه مخرج ملتزم، لإصراره على تقديم سينما موجهة للأطفال في كل أعماله تقريباً، وهذا من خلال أفلام أخرى، على غرار “أطفال نيون” (1990) و”أيروان” الناطق بالأمازيغية.   

 

أما رشيد بن علال، فيعود مرة أخرى للثورة ومواضيعها، من خلال تجربة جديدة في الإخراج، بعد سنوات قضاها في التركيب، من خلال فيلم جاء تحت عنوان ” يا أولاد” 1990، نقل به قصة أخرى عن الثورة، بعيون طفلين صديقين بريئين كانا يدرسان معاً، ريمون ورشيد، حيث ينتمي كل واحد منهما إلى جهة معينة، واحد محسوب على الأقدام السوداء، والثاني على السكان الأصليين، وهذا بعد وقت قصير من استرجاع السيادة الوطنية، ومن خلال هذا التناقض، تجري هذه الأحداث التي تقع بينهما، حيث نعرف من خلالها ما يجري في جزائر تلك الفترة على العموم.

فيلم “خراطيش غولواز” الذي أخرجه وكتبه مهدي شارف سنة 2007، المنتج ضمن فعالية “الجزائر عاصمة الثقافة العربية”، لم يخرج من أجواء الثورة الجزائرية ومخلفاتها، رغم مرور حوالي نصف قرن بعد الاستقلال، هذا الفيلم الذي تجري أحداثه صيف 1962، وحسب الملخص فإنّ ” الحكاية تُروى بعيون الطفل علي ابن أحد المجاهدين، الذي يبلغ من العمر 11 سنة، وهو تلميذ بالمدرسة الفرنسية، يقضي وقته في بيع الجرائد، ويتحدث الفيلم عن الصداقة الطفولية التي تنشأ بين علي وثلاثة أطفال أوروبيين، وهم “نيكولا” الفرنسي، و”دافيد اليهودي”، و”جينو”، حيث بنوا كوخا بالقصب على ضفة الوادي، ورغم الصداقة التي تجمعهم، غير أن “نيكولا” لم يكفّ على نعت والد علي والمجاهدين بالإرهابيين، والأكثر من ذلك أنه منع علي من تعليق العلم الجزائر على الكوخ،  مؤكدا بقوله :” هذا الكوخ ليس لك وحدك، وهو أيضا ملكي، لأني ساهمت في بنائه” في إسقاط على الجزائر التي تشارك في بنائها الكل”، في هذا الاتجاه يقوم الفيلم بتحميل الطفولة أكثر من طاقتها، ويستعملها لإيصال فكرة ناضجة عن طريقهم، أي أن الطفل في هذا الفيلم لم يكن أكثر من وسيلة لإيصال فكرة للراشدين.

وفي نفس السنة تقريبا، أخرج رشيد جيغوادي فيلماً روائياً طويلاً بعنوان “الأجنحة المنكسرة” وهو فيلم يسلط الضوء على الأطفال المشردين، وحسب الملخص فإن الفيلم “يحكي عن مشكلة أطفال الشوارع، ويكشف النقاب على واقع هؤلاء الأطفال المشردين، وغير الشرعيين، من خلال تصويرهم في “مزبلة وادي السمار”، وهي بيئة غير طبيعية يعيش فيها هؤلاء، ويتمرد بعضهم عليها، ويحاولون الإفلات منها، لكن محاولاتهم تحتاج إلى احتضان المجتمع لهم جميعا”، وقد لعب دور البطولة في هذا الفيلم كل من عادل حراث، سيد علي كويرات، عايدة كشود، ورشيد فارس

هناك أيضاً العديد من الأفلام الروائية القصيرة الأخرى، التي تناولت موضوع الطفولة، من بينها فيلم ” قراقوز” لعبد النور زحزاح، و”الغرباء” لفاتح رابية، كما أن هناك أفلاما روائية طويلة أخرى، تم إنتاجها على فترات زمنية متباعدة، مثل فيلم “كحلة وبيضا” لعبد الرحمان بوقرموح، ” أبناء نوفمبر” لموسى حداد.

هذه هي الأفلام التي يمكن تصنيفها  في خانة ” سينما الطفل” في الجزائر، ومن الممكن أن أكون قد أسقطت فيلما آو اثنين من هذه القائمة، التي تطرقت لها من الناحية التأريخية والعرض، دون أن أتعرض إلى قيمتها الفنية والجمالية، لكن الملاحظ أن السينما الجزائرية الحديثة، ابتعدت كثيراً، وساهمت في توسيع الهوة، بين الأفلام العادية وأفلام الطفولة، وكأنّه بات هذا النوع سقط متاع بالنسبة لها، لا يملك أي أهمية، وهذا خطأ كبيرة، سينما الطفولة تمتلك من الأهمية الكثير، ويأتي قطاف هذه الأهمية بعد جيل آو أجيال، لأنه نوع سينمائي يؤسس للذوق والجمال والقيمة المعرفية والحضارية، ونأمل من المؤسسات الثقافية الجزائرية والعربية على العموم، أن تخصص جزءاً من الميزانيات المرصودة للسينما، لهذه الفئة، التي هي بحق بحاجة ماسة إلى منتج فني، يُحاكيها وينقل آهاتها وخلجاتها.

تعليقات الزوار ( 0 )

اترك تعليقاً